فصل: فوائد لغوية وإعرابية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وإنما لم يقولوا أو لنعيدنكم على طريقة ما قبله لما أن مرادهم أن يعودوا بصورة الطواعية حذر الإخراج عن الوطن باختيار أهون الشرين لا إعادتهم بسائر وجوه الإكراه والتعذيب، ومن الناس من زعم أن تعودن لا يصلح أن يكون جوابًا للقسم لأنه ليس فعل المقسم، وجعل ما أشرنا إليه أولى في بيان المعنى مخلصًا من ذلك وهو باطل لأنه يقتضي أن القسم لا يكون على فعل الغير ولم يقل أحد به، وقد شاع نحو والله ليضربن زيد من غير نكير وعدي العود بفي إيماء إلى أن الملة لهم بمنزلة الوعاء المحيط بهم {قَالَ} استئناف كنظائر أي قال شعيب عليه السلام ردًا لمقالتهم الباطلة وتكذيبًا لهم في أيمانهم الفاجرة: {أَوْ لَوْ كُنَّا كارهين} على أن الهمزة لإنكار الوقوع ونفيه، والواو للعطف على محذوف، وقد يقال: لها في مثل هذا الموضع واو الحال أيضًا و{لَوْ} هي التي يؤتى بها لبيان ما يفيده الكلام السابق بالذات أو بالواسطة من الحكم الموجب أو المنفي على كل حال مفروض من الأحوال المقارنة له على الإجمال بادخالها على أبعدها منه وأشدها منافاة له ليظهر بثبوته أو انتفائه معه ثبوته أو انتفاؤه مع ما عداه من الأحوال بطريق الألوية، والكلام هاهنا في تقدير أنعود فيها لو لم نكن كارهين ولو كنا كارهين غير مبالين بالإكراه، فالجملة في موضع الحال من ضمير الفعل المقدر والمآل أنعود فيها حال عدم الكراهة وحال الكراهة إنكارًا لما تفيده كلمتهم الشنيعة بإطلاقها من العود على أي حالة غير أنه اكتفى بذكر الحالة التي هي أشد الأحوال منافاة للعود وأكثرها بعدًا منه تنبيهًا على أنها هي الواقعة في نفس الأمر وثقة بإغنائها عن ذكر الأولى إغناءًا واضحًا لأن العود الذي تعلق به الإنكار حين تحقق مع الكراهة على ما يوجبه كلامهم فلأن يتحقق مع عدمها أولى، وهذا بعض مما ذكره شيخ الإسلام في هذا المقام، وقد أطنب فيه الكلام وأتى بالنقض والإبرام فأرجع إليه، وقد جوز أن يكون الاستفهام باقيًا على حاله، وجعل بعضهم الهمزة بمعنى كيف، ووجه التعجيب إلى العود أي كيف نعود فيها ونحن كارهون لها وتقدير فعل العودة لقوة دلالة الكلام عليه أولى من تقدير فعل الإعادة كما فعل الزمخشري، وفي التيسير تقدير فعل الإخراج أي تخرجوننا من غير ذنب ونحن كارهون لمفارقة الأوطان، وقد وجه بأن العود مفروغ عنه لا يتصور من عاقل فلا يكون إلا الإخراج، ولا يخفى ضعف هذا التقدير.
وذكر أبو البقاء أن {لَوْ} هنا بمعنى أن لأنها للمستقبل، وجوز أن تكون على أصلها وما أشار إليه شيخ الإسلام في هذا المقام أبعد مغزى فليتأمل. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا}.
كان جوابهم عن حجّة شعيب جوابَ المفحَم عن الحجّة، الصائر إلى الشدّة، المزدهي بالقوة، المتوقّععِ أن يكثر معاندوه، فلذلك عدلوا إلى إقصاء شعيب وأتباعه عن بلادهم خشية ظهور دعوته بين قومهم، وبث أتنباعه دعوته بين الناس، فلذلك قالوا: {لنخرجنّك يا شعيب والذين آمنوا معك من قريتنا}.
وتفسير صدر الآية هو كتفسير نظيره من قصّة ثمود.
وإيثار وصفهم بالاستكبار هنا دون الكفر، مع أنّه لم يحك عنم هنا خطاب المستضعفين، حتّى يكون ذكر الاستكبار إشارة إلى أمّهم استضعفوا المؤمنين كما اقتضته قصة ثمود، فاختير وصف الاستكبار هنا لمناسبة مخاطبتهم شعيبًا بالإخراج أو الإكراه على اتّباع دينهم، وذلك من فعل الجبّارين أصحاب القوة.
وكان إخراج المغضوب عليه من ديار قبيلته عقوبة متّبعة في العرب إذا أجمعت القبيلة على ذلك ويسمّى هذا الإخراج عند العرب بالخَلْع، والمخرَج يسمّى خليعًا.
قال امرؤ القيس:
به الذئبُ يعوي كالخليع المعيل

وأكدوا التوعّد بلام القسم ونون التوكيد: ليوقن شعيب بأنّهم منجزو ذلك الوعيد.
وخطابهم إيّاه بالنداء جار على طريقة خطاب الغضب، كما حكى الله قول آزر خطابًا لإبراهيم عليه السلام {أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم} [مريم: 46].
وقوله: {معك} متعلّق بـ {لنخرجنّك}، ومتعلّق {آمنوا} محذوف، أي بك، لأنهم لا يصفونهم بالإيمان الحقّ في اعتقادهم.
والقرية المدينة لأنها يجتمع بها السكان.
والتقرّي: الاجتماع.
وقد تقدم عند قوله تعالى: {أوْ كالذي مرّ على قرية} [البقرة: 259]، والمراد بقريتهم هنا هي {الأيكة} وهي تبوك وقد رددوا أمر شعيب ومن معه بين أن يُخرجوا من القرية وبين العود إلى ملة الكفر.
وقد جعلوا عود شعيب والذين معه إلى ملّة القوم مقسمًا عليه فقالوا: {أو لتعودُن} ولم يقولوا: لنخرجنّكم من أرضنَا أو تعودن في ملّتنا، لأنّهم أرادوا ترديد الأمرين في حيز القسم لأنهم فاعلون أحد الأمرين لا محالة وأنّهم ملحّون في عودهم إلى ملّتهم.
وكانوا يظنّون اختياره العود إلى ملّتهم، فأكدوا هذا العود بالقسم للإشارة إلى أنّه لا مَحيد عن حصوله عوضًا عن حصول الإخراج لأن أحد الأمرين مُرضضٍ للمقسمين، وأيضًا فإن التوكيد مؤذن بأنّهم إن أبوا الخروج من القرية فإنهم يكرهون على العود إلى ملّة القوم كما دل عليه قول شعيب في جوابهم: {أوَلْو كُنّا كارهين} ولما كان المقام للتوعّد والتّهديد كان ذكر الإخراج من أرضهم أهم، فلذلك قدموا القسم عليه ثم أعقبوه بالمعطوف بحرف أو. اهـ.

.قال الشعراوي:

{قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا}.
علمنا من قبل أن الملأ هم السادة، والأعيان الذين يملأون العيون هيبة، ويملأون القلوب هيبة، ويملأون الأماكن تحيزًا. وقد استكبر الملأ من قوم شعيب عن الإيمان به، طغوا وهددوه بأن يخرجوه من أرضهم. وقالوا مثلما قال من سبقوهم. فقد نادى بعض من قوم لوط بأن يخرجوا لوطًا ومن آمن معه من قريتهم. قال تعالى: {فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قالوا أخرجوا آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ} [النمل: 56].
وكلمة {قرية} تأخذ في حياتنا وضعًا غير وضعها الحقيقي، فالقرية الآن هي الموقع الأقل من المدينة الصغيرة. لكنها كانت قديمًا البلد الذي توجد فيه كل متطلبات الحياة، بدليل أنهم كانوا يقولوا عن مكة أم القرى. وقد وضع شعيبًا ومن آمن معه بين أمرين: إما أن يخرجوهم حتى لا يفسدوا من لم يؤمن فيؤمن، وإما أن يعودوا إلى الملة.
وهنا لفتة لفظية أحب أن تنتبهوا إليها في قوله: {أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا} لأن العود يقتضي وجودًا سابقًا خرج عنه، ونريد أن نعود إلى الأصل، فهل كان شعيب والذين آمنوا معه على ملتهم ثم آمنوا والمطلوب منه أنهم يعودون؟
علينا أن ننتبه إلى أن الخطاب هنا يضم شعيبًا والذين معه. وقد يصدق أمر العودة إلى الملة القديمة على الذين مع شعيب، ولكنها لا تصدق على شعيب لأنه نبي مرسل، وهنا ننتبه أيضًا إلى أن الذي يتكلم هنا هم الملأ من قوم مدين، ووضعوا شعيبًا والذين آمنوا معه أمام اختيارين: إما العودة إلى الملة، وإمَّا الخروج، ونسوا أن الحق قد يشاء تقسيمًا آخر غير هذين القسمين. فقد يوجد ويريد سبحانه أمرًا ثالثًا لا يخرج فيه شعيب والذين آمنوا معه، وأيضًا لا يعودون إلى ملة الكفر، كأن تأتي كارثة تمنع ذلك.
لقد عزل الملأ من قوم شعيب أنفسهم عن المقادير العليا، لأن الله قد يشاء غير هذين الأمرين، فقد يمنعكم أمر فوق طاقتكم أن تُخْرِجوا؛ شعيبًا ومن آمن معه؛ بأن يصيبكم ضعف لا تستطيعون معه أن تخرجوهم، أو أن يسلط الله عليكم أمرًا يفنيكم وينجي شعيبًا والذين آمنوا معه. إذن أنت أيها الإِنسان الحادث، العاجز لا تفتئت ولا تفتري وتختلق على القوة العليا في أنك تخير بين أمرين قد يكون لله أمر ثالث لا تعلمه، ويأتي الرد على لسان مَن آمنوا مع شعيب: {قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ} [الأعراف: 88].
لقد سأل شعيب والذين معه: أيمكن أن يتم قهر أحد على أن يترك الإِيمان إلى الكفر، كأن الكافرين قد تناسوا أن التكليف مطمور في الاختيار، فالإِنسان يختار بين سبيل الإِيمان وسبيل الكفر. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
قوله تعالى: {قَالَ الملأ الذين استكبروا}.
هم الرؤساء {لَنُخْرِجَنَّكَ يا شعيب} ونخرج أتباعك من قريتنا.
وقوله: {والذين آمَنُواْ} عطف على الكاف، و{يا شعيبُ} اعتراض بين المتعاطفين.
قوله: {أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا} عطف على جواب القسم، إذ التقدير: والله لنخرجنَّكَ والمؤمنين أو لتعودُنَّ، فالعَوْدُ مُسند إلى ضمير النبي ومَنْ آمن معه.
فإن قيل: إن شعيبًا لم يكن قطّ على دينهم ولا ملتهم، فكيف يحسن أن يقال: {أو لتعودن في ملتنا}، وقوله: {قَدِ افترينا عَلَى الله كَذِبًا} يدل أيضًا على ذلك؟.
فالجواب: إن عاد في لسان العرب لها استعمالان.
أحدهما- وهو الأصل- أنه الرجوع إلى ما كان عليه من الحال الأول.
والثاني: استعمالُها بمعنى صار، وحينئذ ترفعُ الاسم وتنصبُ الخبرَ، فلا تكتفي بمرفوع وتفتقر إلى منصوب، [وهذا عند بعضهم] ومنهم من منع أن تكون بمعنى صار فمن مجيئها بمعنى صار قوله: [الطويل]
وَرَبَّيْتُهُ حَتَّى إذَا ما تَرَكْتُهُ ** أخَا القَومِ واسْتَغْنَى عَنِ المَسْحِ شَارِبُهَ

وَبِالْمَحْضَ حَتَّى عَادَ جَعْدًا عَنَطْنَطًا ** إذَا قَامَ سَاوَى غَارِبَ الفَحْلِ غَارِبُهْ

فرفع بعاد ضمير الأول ونصب بها جَعْدًا، ومَنْ مَنَع ذلك يَجْعل المنصوب حالًا قال: [الطويل]
فَإنْ تَكُنْ الأيَّامُ أحْسَنَ مُدَّةً ** إليَّ فَقَدْ عَادَتْ لَهُنَّْ ذُنُوبُ

أي: صار لهن ذنوب، ولم يرد أن ذنوبًا كانت لهن قبل الإحسان، وعلى هذا فزال الإشكال، والمعنى: لتصرينّ في ملتنا بعد أن لم تكونوا، ف {في ملتنا} خبر على هذا وأمّا على الأول فالجواب من وجوه:
أحدها: أن هذا القول من رؤسائهم، قصدوا به التلبيس على العوام، والإيهام لهم أنه كان على دينهم وفي مِلَّتِهِمْ.
الثاني: أنهم خاطبوا شعيبًا بخطاب أتباعه، وأجروا عليه أحكامهم.
الثالث: أن يُراد بعَوْده رجوعُه إلى حالة سكوته قبل بعثته؛ لأنه قبل أن يبعث إليهم كان يُخْفي إيمانه، وهو ساكت عنهم بريء مِنْ معبودهم غير الله.
وعدَّى عاد بفي الظرفية، كأن المِلَّة لهم بمنزلةِ الوعاءِ المحيط بهم.
قوله: {أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ} الاستفهامُ للإنكار تقديره: أيوجدُ منكم أحد هذين الشيئين: أعني الإخراج من القرية، والعَوْد في الملة على كل حال حتى في حال كراهتنا لذلك؟.
وقال الزمخشري: الهمزةُ للاستفهام، والواوُ واو الحال تقديره: أتعيدوننا في ملَّتكم في حال كراهتنا.
قال أبو حيان: وليست هذه واو الحال، بل واو العطف، عطفت هذه الحال على حال محذوفة، كقوله- عليه الصلاة والسلام-: «رُدُّوا الساَّئِلَ ولَوْ بِظلْفٍ مُحرقٍ».
ليس المعنى: رُدُّوه حال الصدقة عليه بظلف مُحرق، بل معناه: رُدُّوه مصحوبًا بالصدقة ولو مصحوبًا بظلفٍ محرق، وقد تقدّمت هذه المسألة، وأنه يصح أن تُسمَّى واو الحال وواو العطف وتحرير ذلك، ولولا تكريره لما كرَّرْته.
وقال أبو البقاء: ولو هنا بمعنى إنْ لأنها للمستقبل، ويجوز أن تكون على أصلها، ويكون المعنى: لو كنا كارهين في هذا الحال أي أن كنا كارهين لذلك فتجبروننا عليه.
وقوله: لأنها للمستقبل ممنوع. اهـ.